في إطار الموسم الثقافي لمركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية 2023 – 2024، عقد المركز مؤتمرًا بعنوان (الدبلوماسية المصرية وحرب غزة "ريادة دور واضطلاع بمسؤولية")، وذلك تحت رعاية أ. د. محمد ضياء، رئيس جامعة عين شمس، وأ. د. غادة فاروق، نائب رئيس الجامعة لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، ورئيس مجلس إدارة المركز، وأدار المؤتمر د حاتم العبد، مدير المركز.
وشارك في المؤتمر الكاتب الصحفي الكبير حلمي النمنم، وزير الثقافة الأسبق، وسعادة السفير يوسف زادة، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، ود. أحمد فؤاد أنور، أستاذ اللغة العبرية بجامعة الإسكندرية، ولقد شرف المؤتمر بحضور نخبة من السادة الأساتذة ورجال الفكر والسياسة المختصين بالشأن الفلسطيني، كما شهد إقبالًا كبيرًا من الباحثين والدارسين في السياسات العربية والدولية من مختلف الجنسيات، وعلى الأخص من الأشقاء الفلسطينيين.
واستهل المؤتمر الدكتور حاتم العبد، مرحبًا بالسادة المحاضرين من كبار المفكرين والسياسيين رفيعي القامات، ومرحبًا بالسادة الحضور من الأساتذة والباحثين، ومؤكدًا على أن هذا المؤتمر إنما يأتي بدافع حرص المركز على الاضطلاع بدوره القومي والعربي، والمبادرة بتحليل الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث إن فلسطين في قلب كل مصري وعربي، وستظل دائمًا وأبدًا هي قضية الأمة العربية جمعاء، ومصر بدفاعها عن القضية الفلسطينية إنما هي تدافع عن مبادئها الراسخة وعروبتها الشامخة وتضطلع بدورها الرائد الممتد عبر التاريخ في مساندة أشقائها العرب بكل ما أوتي لها من سبل .
تناول الكلمة عقب ذلك سعادة السفير يوسف زادة، حيث أدان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجاعة وتشريد وحرب إبادة متعمدة الهدف الأول منها والأخير هو تصفية القضية الفلسطينية. ومع ذلك لم تقف مصر مكتوفة الأيدي، بل تحركت على كافة الأصعدة الدبلوماسية والسياسية لوقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الأشقاء الفلسطينيين بكل السبل المتاحة على الرغم من تعنت الجانب الإسرائيلي، ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية لها قلبًا وقالبًا نظرًا لسيطرة اللوبي اليهودي على دائرة متخذي القرار في السياسة الأمريكية. ومن هنا لجأت مصر إلى عقد عدة مباحثات ثنائية، سواء على المستوى الدولي أو العربي، وأخيرًا لجأت إلى محكمة العدل الدولية لإيصال صوت فلسطين إلى العالم، وعرض ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل من حرب طاحنة غير متكافئة، وأن له حقوق ومطالب مشروعة لن يسكت عنها مهما حدث. كما أكد سعادة السفير زادة، إلى أهمية التمسك باتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل والتمثيل الدبلوماسي بين الجانبين حتى تتمكن مصر من الاضطلاع بدورها السياسي والوساطة بين أطراف النزاع. وعلى الرغم من كل تلك الجهود الدبلوماسية، ما تزال الأوضاع تتفاقم في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ضوء تعنت الجانب الصهيوني، ودعم الولايات المتحدة غير المحدود، وتجاهل المجتمع الدولي.
وفي كلمته أشار الكاتب الكبير والوزير الأسبق حلمي النمنم، إلى أن الدولة المصرية تتمتع بخبرة طويلة وثرية في القضية الفلسطينية تمتد إلى عدة عقود مضت، بداية من وعد بلفور، ومرورًا بقضية التقسيم ومشاركة الوفد المصري برئاسة محمد حسنين هيكل باشا، ثم شروع المستوطنين اليهود في تأسيس دولة لهم مكتملة الأركان داخل دولة فلسطين، إلى أن أثبتت حرب أكتوبر في 1973 أنه لا توجد دولة اسمها إسرائيل، بل هي في واقع الأمر قاعدة عسكرية تابعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد أكّد الكاتب الكبير النمنم، أن ما يحاول البعض فعله اليوم من تسليط الضوء على أوجه القصور العربية وتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا وذاك إنما الهدف منه هو تشتيت الانتباه عن جوهر القضية الفلسطينية، والانشغال عنها بمحاولات الدفاع والتنصل من المسؤولية عما يعانيه الشعب الفلسطيني حاليًا، داعيا للانتباه وإدراك أن الهدف من وراء الأحداث الراهنة هو استئصال الشعب الفلسطيني، سواء بالقتل أو التهجير، لاقتلاع القضية الفلسطينية من جذورها، ومن هنا جاء حرص القيادة المصرية ممثلة في الرئيس السيسي على انتهاج مبدأ الشفافية المطلقة، ومشاركة الشعب الرأي، وإطلاعه على مجريات الأمور، والتأكيد على أنه لا سلام ولا أمن في المنطقة لإسرائيل دون وجود دولة فلسطينية آمنة ومستقلة وذات سيادة، ومن ثم، يجب أن يكون الهدف الأول الآن من كافة الجهود المبذولة هو إيقاف نزيف الدم ووقف إطلاق النار، ووحدة الصف العربي والفلسطيني وراء حقوقه الشرعية، ثم بعد ذلك نبدأ في محاسبة المقصرين واحتساب المكاسب والخسائر على كافة الأصعدة.
وخلال كلمته استعرض د أحمد فؤاد أنور، إطلالة سريعة على الداخل الإسرائيلي ونظرته للحرب على غزة، فأبان أن المجتمع الإسرائيلي يعاني من الانقسام على نفسه وشديد التشعب، وهناك خلافات عميقة بين التنويريين والعلمانيين، والمتدينين، سواء المعتدلين منهم أو المتطرفين، والذين تتفاوت آرائهم بشأن الحرب على غزة ما بين مؤيد ومعارض.
كما أكد سيادته أن الدولة الإسرائيلية قامت في المقام الأول على العنصرية الصهيونية بكافة أشكالها، والكراهية الشديدة للعرب.
وأضاف د/ أنور، أن المخططات الإسرائيلية كانت تعتمد في المقام الأول على رضوخ مصر أمام الضغوط الإسرائيلية وما ترتكبه من مجازر ممنهجة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل لفتح المعابر وفتح الأراضي المصرية أمام هجرة الفلسطينيين، وتفريغ القطاع من سكانه الأصليين، وهي مخططات قديمة، وما يحدث الآن ليس إلا إعادة صياغة لها، إلا أن خططها جميعًا باءت بالفشل أمام الوعي المصري شعبًا وحكومة ؛ فعلى الرغم من أن مصر تفتح ذراعيها على مصراعيهما دائمًا وأبدًا أمام الأشقاء العرب من مختلف الجنسيات، إلا أنها ترفض مبدأ التهجير القسري للشعب الفلسطيني، حيث سيؤدي ذلك إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتأكيد الجانب المصري على أن الحل البديل المشروع هو توجه الأشقاء الفلسطينيين إلى صحراء النقب وهي أراضيهم الأصلية، وهو الاقتراح الذي قوبل بالرفض الشديد من الجانب الإسرائيلي، حيث يتعارض مع أهدافه العنصرية والسياسية التي تستهدف تصفية القطاع من شعبه الأصلي وتنفيذ مخططاتهم الاستيطانية الصهيونية، وهو ما لن يتحقق لهم طالما اصطف الشعب الفلسطيني على قلب رجل واحد وراء حقوقه المشروعة، وواصل الصمود أمام الجبروت الإسرائيلي، ولطالما كانت مصر هي حائط السد المنيع الذي تتحطم على جدرانه الطموحات الصهيونية.
عقب انتهاء كلمات السادة المحاضرين، تم فتح باب المناقشة أمام السادة الحضور والرد على كافة استفساراتهم.
في نهاية المحاضرة قام د. حاتم العبد، بتقديم شهادات التكريم إلى السادة المحاضرين تقديرًا لمعلوماتهم التي أثرت المؤتمر.
.